نظــــرة في السَّـــــعادة

نظــــرة في السَّـــــعادة جزء 3/1!!!

بل هناك من لا يعرف للسعادة معنى! فيظن أن السعادة في المال أو في الجاه أو في السفر الكثير او في الملذات البدنية والقنيات الحسنة او الزينة او الملبوسات والعطور أو في البيوت الفارهة او في كل شيء حسي ومادي، ولم يخطر بباله أن السعادة الحقيقية بين يديه لكنه لا يراها. وكما قال الشاعر : 
      يا متعب الجسم كم تسعى لخدمته : : : أتعبت جسمك فيما فيه خسران
       أقبل على الروح واستكمل فضائلها : : : فأنت بالروح لا بالجسم إنسان

قال لكونت ليف نيكولايافيتش تولستوي (9 سبتمبر 1828- 20 نوفمبر 1910) من عمالقة الروائيين الروس ومصلح اجتماعي وداعية سلام ومفكر أخلاقي : " إنّنا نبحث عن السّعادة غالباً وهي قريـبة منّا، كما نبحث في كثير من الأحيان عن النظّارة وهي فوق عيوننا"، والسؤال الذي يطرح نفسه ما هي تلك السعادة التي نشقى  في البحث عنها وهي قريبة منا ؟ 

لقد ضرب الحكيم افلاطون مثل من يبحث عن السعادة خارج جسده، مثل نوع من الحشرات ( الصراصير)  التي تحب العسل ولها شاربان طويلان، وُضِعَ على مقدمتيهما عسلا، فلما شمت الحشرة رائحة العسل بدأت بالركض نحو رائحة العسل  لعلها تجده، واستمرت بالجري... ولكنها لم تعلم بانها هي من تحمل ذلك العسل.

هكذا نحن بنو البشر! نركض وراء السعادة خارج ابداننا ظنا بان سعادتنا تكمن في الركض وراء المال والجاه والشهوات الحسية والتي هي في الحقيقة سراب وهمي وخداع بصري اذا ما جاءه الإنسان وجده لا شيئا لان هذه السعادة تنقضي في حال انقضاءها لتصبح تعاسة وألما، كالمدمن على المخدرات، يشعر باليأس بعد زوال مفعول المخدر بقدر نشوته عند تناوله، فيكرر العملية ذاتها ليستعيد تلك النشوة، وبزوالها يعود لتعاسته وكأبته، وأحيانا يكون سببا في انتحاره، وهكذا كل الملذات الحسية بعد انقضاءها يشعر صاحبها بالالم فيكررها فيجد نفس الشعور، ومع تكرار الممارسة تبدأ اللذة بالنقصان والألم بالزيادة. 

يقول الأديب اللبناني جبران خليل جبران : " يحسب راكب السيارة ان راحته في المشي، ويحسب الماشي ان راحته في ركوب السيارة "، فهكذا سعادة البعض تكون عند الغير شقاء لان السعادة التي تقابلها تعاسة فهي ليست بسعادة، لان من يظن ان وجود المال عنده سعادة، عند صاحب المال وجود المال تعاسة وارق، ومن يتمنى زوجة جميلة، عند من عنده زوجة جميلة يعيش معها في جهنم ونار سعير، وايضا من يعتقد ان حصوله على جاه تجعله يعيش في سعادة، عند من عنده الجاه يعيش في عناء، فالاشياء التي يراها البعض سعادة عند الغير يرونها تعاسة فلا يمكن ان نقول عنها انها سعادة، لان السعادة لن تكون الا سعادة، ولن تكون مرة تعاسة، لان السعادة هي ازلية مهما تغيرت الظروف والاحوال، ومطلب اسمى مما عنه يقال،  فالسعادة ليست بشيء مادي ولا حسي ولا بشيء خارج ذواتنا .

ان الانسان  بخلاف الحيوانات،‏ لديه حاجات روحية.‏ ليكسب صفات الهية كالمحبة،‏ العدل،‏ الرحمة،‏ والحكمة.‏ وبذلك يكسب معنى للحياة فيها صفاء ونقاء وسعادة، فالطاووس مثلا قد يكون في شكله أحسن وأجمل من الإنسان، والورود والزهور والتي تمتلئ الحدائق بروائحها الزكية وألوانها الزاهية هي أجمل أيضا من الإنسان، لكن لا يمكن أن توصف هذه الأشياء والمخلوقات غير الإنسان بأنها سعيدة. 

 يتبع