كانت دالية الكرمل اجمل...!!

هل تذكرون كم تشاجرنا حتى نزف الدم من أنوفنا ولم يفكر أهلنا أن يشتكوا للشرطة وكم مرة شربنا من نفس الكأس دون أن يخشى أحد أن يصاب بمرض مُعدٍ أو يتأفف..

أتوجه بكلماتي للأجيال التي ربيت على البساطة، الأجيال التي لم تعرف الشاورما بلحم العجل ولم تشرب في طفولتها الريد بول، هل تذكرون الكستناء شتاء فوق مدفئة الحطب  .

كانت حياتنا بسيطة فكم من المرات كنا عندما نريد ملاقاة صديق نأتيه دون اتصال مسبق نطرق بابه أو حتى نصرخ من رأس الحارة عليه بأصوات عالية أو صفير مميز لكل شلة، هل تذكرون ذلك الجار المعقد الذي كان يتوعد بشق الكرة التي نلعب فيها بسكين المطبخ إذا ما سقطت في داره، ومن منكم لا يذكر، كم من مرة أخترع كريجه من بعض خشب السحاحير التالفة عند الخضرجي او التي وجدناها في مزبلة مصلحي الدراجات والسيارات ، وكم من مرة كنا بعد بدء رحلة التزحلق الأولى فقط نتذكر أننا لم نركب بريكات لتلك الكريجه لتكون اخر مشوارها حيط في نهاية الرحلة، آثار الكدمات والخدوش كانت لا تفارق جسدنا ومع ذلك ها قد كبرنا ولا نحمل أمراضاً وصحتنا بخير والحمد لله..

هل مازلتم تذكرون الفرحة بيوم انتهاء العام الدراسي وفرحتنا بعطلة الصيف وكم كان الصيف طويلاً ..
الكثيرون ولو لمرة التحقوا بأندية رياضية، هذا فطبول والآخر كاراتيه وكانت غرفة الفطبلجي تمتلئ بصور بيليه ومارادونا وزاهي ارملي وعطار ومن يلعب الكارتيه امتلأت غرفته بصور بروسلي ، لم ينجح منا إلا القليلون في رياضتهم، لكن  جيلنا عرف معنى كلمة الكيف والاستمتاع   وغرقنا في حب هبوعيل دالية الكرمل
من سجل دورة موسيقى تعلم معزوفة (أهواك) لسهولة عزفها

من منكم لم يبكِ في نهاية المعسكر ومن منكم لم يرسل رسالة عبر البريد أول مرة في حياته بعد أن تعلق بأصدقاء جدد من قرى مختلفه ومن منكم لا يذكر كيف اشترى الطوابع وسأل من كان بها خبيراً أين تلصق الطوابع وعلى أي جهة يكتب العنوان،... يا أصدقائي أعتقد أن عجائب الدنيا ليست سبعاً فحسب ففي هذه الدنيا عجائب موجودة حولنا ولم نسطرها ونوثقها بين العجائب، هل تذكرون العيد وبهجته و صحن الكنافه .....كم مرة نام كل منا وحذاء العيد الجديد تحت إبطه أو وسادته وتلك الرائحة المميزة للجلد الصناعي للحذاء التي عششت في الذاكرة ونامت لتستيقظ اليوم ..كان وقتها للهواء رائحة مختلفة وللطقوس رونقها ، من منكم لم يحمل سطل أو طنجرة مملوءة بالقمح المسلوق لينقلها للسطح لتنشر على السطح حتى تجفف في الأيام التالية بالشمس، ومن ثم تؤخذ للمطحنة لتعود لبيت المونة برغل خشن وناعم وفريكة وطحين..

لم يكن وقتها برغل بأكياس صغيرة ولم يكن وقتها مكدوس باذنجان معلب ولا حتى لحوم مجلدة،..
كانت الحياة أبسط وأجمل، كان الحب أكثر وكان الحقد أقل، لقد كان الطقس أجمل والمطر أنقى، لقد كان الثلج أبيض وليس رماديا،ً حتى ظهور قوس قزح كان عيداً كانت دالية الكرمل اجمل..

من منكم لم يصنع طائرة ورقية من ورق الأشغال بعد أن غلت له أمه النشاء مع قليل من الطحين ليستخدمه كلاصق للورق، ليلعب بطائرته أيام الربيع بدل الألعاب الطائرة اليوم يا أصدقائي نحن جيل تربى على الحب وعانى من الفقر في الوقت الذي كانت بيوت المونة - رغم الفقر- عامرة بالخيرات وعندما تدخل البيوت يحلفون عليك ألف مرة لتأكل ومثلها لتشرب القهوه نحن جيل لم يعرف الكمبيوتر ولا الإنترنيت، واليوم نطبع كتاباتنا بأصبع واحد، نحن جيل لم يلعب في طفولته العاب الكترونية ولم يكن لدينا بلاي ستيشن، نحن جيل كان يلعب غميظه في الحارة وجيل كان يضع قطعة الحلقوم على الطاولة وكنا نراهن من الأسرع بالعد للثلاثة ومن كانت يده أسرع كان يأخذها بيده فتلصق وبسرعة البرق كان يلتهمها ضاحكاً ولم يكن من يلاعبه ليعتبره بخيلاً أو جائعاً بل كان يقول يجب أن أكون أسرع في المرة القادمة، نحن جيل كان يلعب في كل شيء، ورغم كل ذلك نشأ جيلنا وأنتج اطباء وأبطال وفلاحين وعمال ومبدعين في كل المجالات..
في أيامنا كانت الأراضي اوسع ومباحه لجميع السكان..

يا أخوتي زمننا فيه من العجائب أكثر من سبعة بل أكثر مئة، حولنا من العجائب ما لا نلاحظه، صحن الفول المدمس مع البصل أيضاً أعجوبة، الجبن البلدي، فرحة استلام الرسالة بعد طول انتظار، فرحة الأعياد، المطر والوحل الذي كان يلتصق على أحذيتنا الجديدة، كل ما كان لنا شيء يومي وعادي أصبح اليوم للبعض أعجوبة فلا تستغربوا هذه العجلة التي تطحن اليوم الضمير بدل الطحين..
لا تستغربوا أن الإيميل حل محل الرسالة بطوابع والجوال بدل الصفارة المميزة لكل شلة بواسطة الأصابع واللسان وشيء من اللعاب والهواء الخارج من الرئتين ..

جيلنا لم يكن يعرف الماكدونالدز وكان يفضل الفخدة بالدجاج مع الرز المفلفل ومناقيش الزعتر بدل البيتزا وكانت البيضة مع رغيف خبز ساخن بدل الكلاماري جيلنا كان يفضل كل ما هو طبيعي..

يا أبناء تلك الأيام الجميلة، يا من كبرتم وأصبح المال والقرار والسلطة بيدكم وكلٌ في مكان تواجده، هل مازلتم تذكرون؟.
أعتقد أنكم تذكرون، إذاً هل تعملون اليوم بأصلكم؟؟، وهل تقدمون لمن جاء بعدنا روح تلك النفحات من الزمن الجميل..
كم أتمنى ذلك..

في الختام لكل جيل طابعه وذاكرته ولكل شخص أشياء وتصرفات كانت تعجبه، أما أنا فقد بكت روحي بعد سهرة ذكريات مع صديقي الذي جمعني فيه قاسم مشترك وهو تلك الذاكرة لتاريخ لن يمحى أبداً من ذاكرتنا، شكراً لك صديقي وهذا ندائي لنبقى كما كنا ولنبقى كما نشأنا فعشقنا كان أجمل وحياتنا كانت أبسط وأفضل ولترجع الداليه كما كانت بالفعل ونرجع نحب بعضنا ونتكاتف كما كنا سابقاً ..
كل العذر للذين لم تتشابه طفولتهم بطفولتي وللأجيال التي تقضي طفولتها في عصر الكمبيوتر والجوال فلكل جيل ذاكرته المميزة.