مأساة الشرق الأوسط انتظار الحلول المفروضة من الخارج

لم نكن بحاجة للانتظار طويلًا حتى نتيقّن ممّا كان واضحًا للعيان، منذ بداية الحديث عن اتفاق أميركيّ لوقف إطلاق النار في غزة قبلته كافّة الأطراف بما فيها حماس غزة والخارج، والدول العربيّة والإسلاميّة كلّها دون استثناء وإسرائيل، وإن كان ذلك على استحياء، ووسط محاولات مكشوفة لعرضه على أنه اتفاق صاغته إسرائيل، رغم أنه يجب الاعتراف أن بنيامين نتنياهو نجح في تغيير بعض بنوده.

18.10.2025 מאת: المحامي زكي كمال
مأساة الشرق الأوسط انتظار الحلول المفروضة من الخارج

 

وملخّصه أمران أوّلهما  أن الامتحان سيكون التنفيذ، وليس الإعلان عن الاتفاق، أو حتى التوقيع عليه، فكلها شكليات  تؤكّد العبر التاريخيّة في الشرق الأوسط أنها تكون أحيانًا سحابة صيف عمّا قليلٍ تنقشع، أو أنها سبب مؤقّت لفرحةٍ عارمة كما كانت عليه اتفاقيات أوسلو التي بشَّرت نصوصها ومراسم توقيعها بإنها إشراقة رائعة لعهد جديد، كما كتب الرئيس الأميركيّ دونالد ترامب في سجل كبار الضيوف في البرلمان الإسرائيليّ صباح الإثنين من هذا الأسبوع،

 

وهو قول مقتبس من خطاب النصر لرئيس الوزراء المنتخب أهود باراك عام 1999، واتّضح أن الفارق بين القول والفعل فيها، أو بين النص والتصريح والتطبيق، كان كالفارق بين الثرى والثريا، وأن ما اعتقده كثيرون أنه خير وفير تحوّل إلى ضرر وشرٍّ كبيربين تحطّمت آماله على صخرة التنفيذ، وثانيها أن سياسات الولايات المتحدة المتعلقة بالشرق الأوسط بما فيها اتفاقيات أوسلو التي كانت الولايات المتحدة  واحدًا من رعاتها، وكذلك اتفاقيّة وقف إطلاق النار في غزة حاليًّا، تمتاز بكونها أفضل انعكاس لسياسة، أو نهج  الضبابيّة البنّاءة، أي تلك الصياغات التي تمنح كلّ طرف من أطراف المعادلة إمكانيّة ادّعاء النصر،

أو التفوّق من جهة، وتترك المجال متاحًا أمام كل طرف، لإفشال الأمر وإفساده، عبر إيجاد الثغرات الباقية والصياغات الضبابيّة للاتفاق وهو ما بدأ منذ اليوم، عبر إعلان إسرائيل مثلًا أنها لن تسمح بأي أعمال ترميم، أو إعادة بناء وإعمار في غزة، إلا بعد استعادة  جثامين كافّة المختطفين، رغم معرفة الجميع صعوبة العثور على الجثامين جراء تغير تضاريس الأرض والجغرافيا في غزة بفعل الحرب، وإعلان حماس أن إسرائيل خرقت الاتفاق عبر تغيير قوائم السجناء الأمنيّين الفلسطينيين المفرج عنهم،  وغيرها من العقبات التي ستتضح لاحقًا بفعل تلك الصياغات التي تفترض الخير دون أن تهيّئ الظروف الضامنة له.  

 

وهو نهج يمكن الجزم أنه النسخة المعدَّلة من سياسة  الفوضى البنّاءة أو الخلاَّقة التي اتبعتها وزيرة الخارجيّة الأميركية السابقة كوندوليسا رايس، وهي ليست نظريّة سياسيّة، بل مجرّد توجّه سياسيّ يهدف وفق إطاره النظريّ العامّ إلى تفكيك منطقة الشرق الأوسط وفق المصالح الاستراتيجيّة الكبرى للولايات المتحدة وإسرائيل، وكانت في نظر الكثيرين ما وجّه دعم أميركا لتوجهات ونشاطات الربيع العربيّ، التي أريد بها من حيث الإعلان الخير وتكريس أو غرس الديمقراطيّة في الدول العربية، لتنتهي إلى خريف بل شتاء قارس، وربما نار أكلت الأخضر واليابس، فهي وكأنها أرادت الديمقراطيّة لكنها لم تضع أية آلية لتنفيذها، بل عزَّت النفس بالتمني، معتقدة أن التنفيذ سيأتي من تلقاء نفسه أو الخراب سيكون نهايته، وفي الحالتين هذه السياسة الأمريكيّة.

 


هذا ما حدث  ويحدث هذه المرّة، ولكن بشكل آخر، فالدول التي وافقت على اتفاقيّة وقف إطلاق النار قبل أطرافها، حماس وإسرائيل، هي التي التقى قادتها في شرم الشيخ في مؤتمر السلام، وهو ربما النسخة الثانية للمحاولة الأولى عام 1996 والتي أعقبت اغتيال إسحق رابين رئيس الوزراء الاسرائيلي، وتمّت تسميتها "مؤتمر صانعي السلام"،  والذي لم يسفر عن أي نتيجة تذكر، ما يعني أنها بغياب حركة حماس وإسرائيل،

رغم أن نتنياهو كان أعلن للحظات ظهر الإثنين أنه سيشارك تلبية لرغبة الرئيس المصري عبد الفتَّاح السيسي وبعد مكالمة مطوّلة معه، لكنّه تراجع بعد ذلك متذّرعًا بقدسيّة اليوم الأخير لعيد العرش، وهي القدسيّة التي لم تمنعه من الإعلان عن استقبال الرئيس الإندونيسيّ، برابوو سوبيانتو في أول زيارة له لإسرائيل، قبل أن يلغي الرئيس الإندونيسيّ الزيارة بعد تسريب معلومات عنها من قبل مكتب نتنياهو نفسه، في خطوتين لهما علاقة بقاعدة نتنياهو الانتخابيّة،

فهو لم يرد إغضاب الشركاء في الائتلاف عبر المشاركة في مؤتمر دوليّ خلال عيد العرش، كما أنه أراد تسجيل إنجاز سياسيّ أمام قاعدته باستقبال رئيس أكبر دولة إسلاميّة في العالم، بل الكشف المبكّر عن ذلك كما هو المعتاد ، تنضمّان إلى محاولة نتنياهو ومؤيّديه عرض الاتفاق، وكأنه انتصار تم فيه إنجاز كافّة الأهداف المعلنة للحرب بما فيها النصر التام وإبادة حركة حماس، وإطلاق سراح الرهائن والمخطوفين. وهي أمور لم تتحقّق على أرض الواقع، لكنها محاولات لفرض رواية تخدم مصالح نتنياهو وحملته الانتخابيّة التي بدأت فعلًا على أرض الواقع، مع الإشارة إلى أنه لو تعلّق الأمر بنتنياهو لتواصلت الحرب عامًا آخر،

لتتوقّف في أقرب موعد للانتخابات البرلمانيّة القريبة،   علمًا أن الدول  المشاركة حتى وإن أرادت ، ورغم نواياها الطيبة، ليست تلك التي ستحدّد ما إذا كانت الاتفاقيّة سوف تنفّذ بحذافيرها أم لا، وذلك رغم المشاركة التي تأخّر الإعلان عنها للسلطة الفلسطينيّة في المؤتمر، بخلاف ما نصّ عليه الاتفاق من أن لا دور لها في المرحلة التالية، أي مرحلة ما بعد الحرب في قطاع غزة، وبالتالي نقف اليوم أمام خيارين أولهما أن تمتثل إسرائيل وحماس لقرارات القمة في شرم الشيخ ومخرجاتها والتي صيغت دون مشاركتهما، ودون حضورهما حتى رغم أن الحضور الأميركي يعني بشكل أو بآخر حضور إسرائيل، أو أن يحدث العكس وهو فشل الاتفاق، رغم أن الاعتقاد السائد يميل إلى ترجيح نجاحه لأن الرئيس الأمريكي لن يتنازل عن جائزة نوبل للسلام 2026 من جهة، ولن يعبث بالنتائج الماديّة التي سيحصل عليها بواسطة صهره جارد كوشنير ومساعده الأول المستثمر الكبير ستيف واتكوف المدعوم اقتصاديًّا وماليًّا من قطر، لأن الاتفاق صفقة ماليّة اقتصاديّة للرئيس الأمريكيّ ومقرّبيه والخزينة الأمريكيّة من أموال الترميم لغزة المنكوبة.

 


وللحديث عن الضبابيّة البنّاءة، أو الخلَّاقة في هذا الاتفاق صلة، فهي صياغة ستمكن حماس من اعتباره إنجازًا ، يضاف إلى الإنجاز الإنسانيّ والأول وهو وقف الحرب الفتّاكة في غزة، يتمثّل في إعادة القضية الفلسطينيّة، أو النزاع الإسرائيليّ الفلسطينيّ إلى مرحلة التدويل. وهي مرحلة أنهتها عمليًّا اتفاقيّات أوسلو التي رعتها الولايات المتحدة وروسيا، لتعود اليوم بعد موجة الاعتراف الدوليّ عامّة  والأوروبيّ خاصّة بدولة فلسطين، والتدخّل الأميركيّ لمنع تفاقم ذلك وإقصاء روسيا والصين في بداية اتفاق وقف إطلاق النار،

ثم عودتهما إلى الساحة وبقوة في مؤتمر شرم الشيخ، متجاهلة بذلك كونه يعني تأميم القرار الفلسطينيّ بما يتعلّق بقطاع غزة على الأقلّ، ومنحه للدول العربيّة والإسلاميّة بما فيها قطر التي قصفتها إسرائيل وتركيا، وهي التي كانت منذ بداية الحرب في السابع من أكتوبر عام 2023، العدو اللدود لإسرائيل، في حالة ملخّصها أن الدول العربيّة  اجتمعت وتجمعت بطريقة غير مسبوقة، ممّا ترك حماس معزولة مع إيران فقط كدولة داعمة، ما يخلق تحالفًا جديدًا في الشرق الأوسط بعض أطرافه ظاهرة للعيان تضم مصر وقطر وتركيا مع ميل الأخيريتين إلى جهة حماس، وبعضها  جهات معتدلة مقرّبة أكثر من المواقف الأميركية تقف  وراء الكواليس، وهي الدول الخليجيّة وخاصّة السعوديّة والإمارات وأندونيسيا التي كان رئيسها قد أعلن من على منصة الأمم المتحدة أنه يجب ضمان حقّ إسرائيل في السلام والحياة والأمن والأمان، ونقل "عهدة" القضيّة الفلسطينيّة عامّة وغزة خاصّة إلى الدول العربيّة والإسلاميّة، وجعلها ربما ضحيّة للخلافات بين هذه الدول وهي خلافات لم تختف ولن تختفي، خاصّة وأن بعض هذه الدول وفي مقدّمتها اندونيسيا  والسعوديّة لا تخفي رغبتها في التطبيع مع إسرائيل إذا توفّرت الظروف المواتية لذلك، وبالتالي فهي تعوِّل على مؤتمر شرم الشيخ أن يكون البداية لخطوات تمنحها شرعيّة التقدّم نحو التطبيع. ومن هنا ربما كما يقول البعض، جاءت جهود السعوديّة الرامية إلى دعم محاولات الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، في خطوة سيتمّ بعدها التطبيع  والسلام.

 


 هذا الاتّفاق ورغم التفاؤل الذي يلفّه، يحتّم طرح سؤال لا بدّ منه، وهو من الرابح الأكبر ومن الخاسر الأكبر، فالاتّفاق وهذا واضح للعيان رغم محاولات البعض ادّعاء النصر، هو الاتفاق النصر المطلق للرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب،  الذي أراد الحصول على جائزة نوبل للسلام، لكنّه لم ينجح في ذلك، ربّما العام القادم، وهو من  أدرك، خاصّة بعد سيل الاعتراف بالدولة الفلسطينيّة، أن الصراع الإسرائيلّي الفلسطينيّ عاد، بعكس اعتقاد إسرائيل والكثيرين فور السابع من اكتوبر من أنه تمّ إسدال الستار عليه،  ليكون محور الاهتمام العالميّ أكثر من أيّ وقت مضى، وأن الحرب في غزة أكبر من أن تتواصل وأن آثارها السلبيّة، على إسرائيل عبر عزلتها الدوليّة وأوامر اعتقال قادتها، وحماس  عبر عشرات آلاف الضحايا وآلاف المفقودين، وانهيار كافّة مقوّمات الحياة في قطاع غزة، على حدّ سواء،  ستبقى ماثلة وأنه لا يمكن للأوروبيّين والأمريكييّن والمجتمع الدوليّ بأسره، مواصلة التزام الصمت.   ومن هنا جاء الضغط الأميركيّ  الذي طال الطرفين، إسرائيل وحماس، بالإضافة إلى  الضغط الذي مارسه الوسطاء، قطر ومصر وتركيا المنضمّة حديثًا إلى المساعي، ليظهر ترامب بمظهر الرئيس الذي لا يمكن لأحد رفض مطالبه  بما في ذلك، وربما في مقدّمتهم، رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، وليعلن أن  الحرب انتهت،  رغم  أن هناك من يشكّك، أو يخشى أن  يبحث الجانبان الإسرائيليّ وحماس أو المنظّمات المسلّحة الفلسطينيّة الاخرى وربما بضغط من إيران عن ذريعة لإنهاء التهدئة والعودة إلى القتال، كما يجب طرح السؤال حول اللحظة الحاسمة التي اكتملت فيها قناعة ترامب أن عليه فرض الاتفاق وتوقيع الصفقة،  والإجابة واضحة للعيان وهي  الهجوم الإسرائيليّ على اجتماع قيادات حماس في الدوحة في التاسع من أيلول، ومحاولة اغتيال أعضاء فريق حماس التفاوضيّ، رغم أن نتنياهو كان قد أبلغ ترامب تحذيرًا بنيّته الهجوم، فالتقت هنا المصالح  الاقتصاديّة والسياسيّة  للرئيس ترامب وكبار مسؤولي الإدارة والقطريّين الذين اعتبروا القصف رسالة قد تثير القلاقل في كافّة دول المنطقة بما فيها مصر كما أشار البعض، وأنه لا بدّ من اتفاق يضمن الهدوء في المنطقة كلّها، والخطوة الأولى اعتذار رئيس الوزراء الإسرائيليّ بنيامين نتنياهو الذي صاغه البيت الأبيض وتلاه نتنياهو على رئيس الوزراء القطريّ تحت ناظري ترامب ونائبه جي دي فانس، إضافة إلى اتفاق دفاع مشترك بين قطر والولايات المتحدة، وهذا ما تؤكّده أهداف القمة كما صاغها راعياها دونالد ترامب وعبد الفتاح السيسي. وهي إنهاء الحرب في قطاع غزة، وتعزيز جهود إحلال السلام والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وفتح صفحة جديدة من الأمن والاستقرار الإقليميّ وفق رؤية الرئيس الأمريكيّ دونالد ترامب لتحقيق السلام في المنطقة، وسعيه الحثيث لإنهاء النزاعات حول العالم، ولذلك من نافلة القول أن نجاح الاتفاق  يعتمد على  مدى تصميم ترامب على تنفيذه، وسيشكّل هذا  التصميم عنصرًا حاسمًا في تحديد ما إذا كان سنصل إلى المرحلة الثانية أم لا.

 


فلسطينيًّا، تتواصل محاولات حماس منذ توقيع الاتفاق لعرضه على أنه انتصار وإنجاز تحقّق بفضل الصمود على الأرض، لكنها تعترف أو ربما تحذّر من أن  المرحلة الثانية من المفاوضات، أو من تنفيذ الاتفاق أصعب من  المرحلة الأولى، ولذلك يأمل قادتها أن لا تعود الحرب، مع التأكيد على أنه إذا ما تمّت العودة للحرب، فإن  حماس ستواجه وستبذل كل ما لديها من إمكانيّات، مع الاشارة الى قضية في غاية الأهميّة وهي أن موضوع تسليم السلاح غير وارد، فضلًأ عن أن عليها داخليًّا اليوم وعلى ضوء وجود معارضة مسلحة لها، الاختيار بين أمرين فإما الاحتواء والقبول ومحاولة التوصل إلى اتفاقات داخليّة، أو اللجوء إلى السلاح والاقتتال الداخليّ كما حدث خلال الأيام الأخيرة. وهذا ما يبدو اليوم السيناريو الأقرب، على ضوء الصدامات المسلّحة الأخيرة، كما عليها الاختيار بين السلطة والشعب،

أي بين التمسك بالسلطة والبقاء فيها ، ما سيعيق تنفيذ الاتفاق وإعادة البناء، أو تفضيل المصلحة العامّة على مصالحها الحركيّة الضيّقة، خاصّة وأنها تدرك في قرارة نفسها  أن لا انتصار لها،  فهي قد مُنيت بهزيمة عسكريّة منذ أشهر فضلًا عن الأضرار ربما غير القابلة للتصليح والترميم وهدم 85% من منازل القطاع ومقوّماته وثرواته، وهو ما بدأت معالمه تتضح للغزيين العائدين إلى منازلهم، بخلاف روايات النصر والصمود، وباختصار ورغم أن هناك تفاهمًا على أن حماس لن تعود للسيطرة على قطاع غزة بشكل كامل، إلا أن ذلك غير مضمون، وأحداث العام 2007 ما زالت ماثلة في الأذهان.

 


إسرائيليًّا داخليًّا، سيحاول بنيامين نتنياهو تصوير نهاية الحرب على أنها نجاح، فحركة حماس أعادت جميع الرهائن دون انسحاب الجيش الإسرائيليّ من القطاع بأكمله، والرئيس ترامب ما زال يؤكّد علاقاته الوثيقة مع نتنياهو وإسرائيل،  لكن الحقيقة غير ذلك، ومن غير الممكن تجاهل الفجوة الهائلة بين ما يقوله لناخبيه وما حدث بالفعل، فهو سيشدّد على  أن إسرائيل تسيطر  على ٥٣٪ من الأراضي في غزة ، (ليس 70% كما أراد) وأن المستقبل يعتمد على سلوك حماس، التي إن رفضت التنازل  عن السلطة واستمرت في حمل السلاح، فلن تنسحب إسرائيل، أما الحقيقة فهي أن الأمر ليس بهذه السهولة  خاصّة مقابل  ضغوط الوسطاء، والاعتقاد القريب من الثقة بأن الأمريكيّين سيطالبون إسرائيل لاحقًا بسحب قواتها إلى مسافة تكون فيها أقرب من الشريط الفاصل بين غزة وإسرائيل  قبل 7 أكتوبر، تشرين الأول، إضافة إلى تطوّرات أخرى، ملخّصها أنه ورغم أن   بتسلئيل سموتريتش وإيتمار بن غفير ما زالا في  الحكومة، فإن استقرارها غير مضمون بل تضعضع على المدى البعيد خاصّة على ضوء خيبة أمل اليمين المتطرّف الذي يحلم بحكمٍ عسكريّ  وتهجيرٍ قسريٍّ واستئناف الاستيطان، لكن  ترامب يسير في الاتجاه المعاكس،

كما أن سيناريو  حل الدولتين  ما زال مطروحًا نظريًّا على الأقلّ، وكل هذه الأمور مجتمعة لا تعني إضعاف تمسّك  نتنياهو بالسلطة. بل على العكس، فنهاية الحرب  ستخفّف الضغوط عنه، إلى حدّ بعيد ليصبح يكون متفرغًا للنضال من أجل البقاء السياسيّ، خاصّة وأن نهاية الحرب ستُجدد النقاش حول تشكيل لجنة تحقيق رسميّة للتحقيق في مجريات ما حدث، ولبنيامين نتنياهو كلّ الأسباب لمنع مثل هذا التحقيق، فهو يدرك أنه هو من  قاد سياسة الاحتواء في غزة، وتجنّب شنّ حملة عسكريّة واسعة النطاق ضد حماس،

و اتّبع سياسة "فرّق تسد" بين حكم حماس في قطاع غزة وحكم السلطة الفلسطينيّة في الضفة الغربيّة، وعزّز نفوذ حماس، وضخّ الأموال القطرية، والتي وصلت  كبار موظفيه حتى أثناء الحرب نفسها، وكلّ ذلك على خلفيّة أمر غير معهود يجب الإشارة إليه وهو نجاح  نتنياهو ليس فقط في البقاء في السلطة، بل في عدم الاعتراف  بالمسؤوليّة تمامًا، وعرقلة محاولات تشكيل لجنة تحقيق رسميّة، ونجاحه في زيادة عدد وتأثير الأصوات الداعية إلى عدم محاكمته وإغلاق القضيّة، إما من خلال تسوية أو إسقاط لائحة الاتهام، أو العفو عنه كما اقترح الرئيس ترامب في خطابه أمام الكنيست يوم الإثنين على رئيس دولة إسرائيل إسحاق هرتسوغ.

 


ومن المفروض أن نقول رغم كل التفاؤل إزاء ما حدث، فإن ما يدقّ ناقوس الخطر المستقبليّ هو الحقيقة الساطعة والمؤلمة أن شعوب المنطقة، ولأسباب تتعلّق بقادتها ومصالحهم الشخصيّة والفئويّة  والمشاعر القوميّة والطائفيّة والدينيّة المتأجّجة المرافقة للنزاعات فيها، غير قادرين بعكس الماضي على حلّ نزاعاتهم عبر المفاوضات المباشرة أو غير المباشرة، وأن الحلول المفروضة من الخارج وربما بالقوة هي العملة الرائجة هنا، بعكس القول المشهور لجبران خليل جبران:" السعادة تبتدئ من قدس أقداس النفس، ولا تأتي من الخارج"،

وبالتالي علينا جميعًا مواطنين وقياديين، وعلى الصعيد الإقليميّ وحتى المحليّ أن نصحو، وأن ندرك خطورة ما سبق أيّ الحلول المفروضة خارجيًّا، وانتظار الفرج من الآخرين، والفرح لعملهم تجاهنا بدلًا من النظر إلى داخلنا، عملًا بقول  كارك غوستاف يونغ،   عالم النفس السويسريّ  المشهور ومؤسّس علم النفس التحليليّ: "من ينظر إلى الخارج يحلم، من ينظر إلى الداخل يستفيق"، فهل ندرك ذلك؟ ألمْ يحن الوقت لذلك؟، أم ما زلنا بحاجة لجولات أخرى من الحروب والدمار والقتل وعشرات آلاف الضحايا، كي نفهم أن السلام يبدأ من الداخل، وأن حلّ المشاكل يبدأ من الداخل، وقبل أن ندرك تلك الحقيقة، أم أن نار التطرّف والفئويّة ستواصل حرف أنظارنا عنها، بل إصابتنا بالعمى تجاهها؟؟


وفي الختام، لا بدّ أن نذكر كيف قوة المظاهرات في ساحة المخطوفين ومئات الألاف من الإسرائيليّين الذين تجمّعوا بها خلال السنتين الأخيرتين أدّت إلى التأثير على الرئيس الأمريكيّ الذي أكّد لمندوبي عائلات المخطوفين بأنه سيعمل على تسريحهم وعلى الأقلّ الأحياء منهم، وفي نهاية المطاف فرض على حماس بواسطة شركائه من قطر وتركيا ومصر والسعوديّة والعالم الإسلاميّ لحضور مؤتمر شعاره السلام، ولكن حقيقته إعادة المخطوفين الأسرائيليّين. والسؤال هل سيعمل ترامب لإعادة جميع المخطوفين في الشرق الأوسط مثل هؤلاء المئات من النساء والرجال من أهل السويداء المحجوزين كرهائن لدى منظّمات إرهابيّة يرعاها صديق ترامب المناوب أبو محمد الجولانيّ الجهاديّ وأحمد الشرع السياسيّ!!!
 

תגובות

מומלצים