ويلٌ لشعب تغيّر انتخاباته الوجوه لا التوجّهات

لم ينقشع بعد غبار المعارك الانتخابيّة للسلطات المحليّة، التي وصلت نقطة الحسم في معظم المدن والقرى في البلاد منذ أسبوع ونيِّف. ولم يتوقّف ضجيج الاحتفالات لدى الأطراف الفائزة من استقبالات حاشدة ووفود وافدة وألعاب ناريّة تقضّ مضاجع الناس، ومرارة الخسارة لدى الطرف الخاسر، وكأن الدنيا قد انتهت

09.03.2024 מאת: المحامي زكي كمال
ويلٌ لشعب تغيّر انتخاباته الوجوه لا التوجّهات

أو وكأن الخسارة طامّة كبرى ما بعدها طامّة، وليست نتيجة واحدة من احتمالين ضمن اللعبة الديمقراطيّة المسمّاة "الانتخابات "، كما لم تنته بعد محاولات مرشّحين خاصّة من المجتمع العربيّ، استباق الجولة الثانية من الانتخابات والتي ستُجرى بعد غدٍ، باتفاقيّات تنازل، أو اتفاقيّات تقاسم لمنصب الرئيس مناصفة،

يتم وصفها بأنّها تمّت بالتوافق بحيث يقدّم الرئيس "الأوّل استقالته "بعد انقضاء نصف المدّة، ليقوم أعضاء السلطة المحليّة بانتخاب بديل له هو الطرف الثاني في معادلة التوافق، وذلك في الاتفاق واضح، لكنّه يتذاكى على النصّ القانونيّ الواضح الذي يمنع التناوب في رئاسة السلطة المحليّة، منعًا لحالات سابقة شهدتها سلطات محليّة عربيّة تمّ التناوب فيها بين ثلاثة مرشّحين، أو ربما أكثر،

وهو التفاف على الديمقراطيّة وتطويعها، لخدمة أهداف ومصالح واعتبارات عائليّة وحمائليّة ضيّقة، يؤكّد إخضاع الديمقراطيّة لها. ان الانتخابات المحليّة في المجتمع العربيّ، وإن كانت تجرى بنفس طريقتها في المجتمع اليهوديّ، فإنها بعيدة كلّ البعد عن الديمقراطيّة بمعناها الواسع الذي لا ينحصر في الممارسة التقنيّة، أو حتى الميكانيكيّة، بل يصل الجوهر من حيث الاختيار الحرّ وانتخاب الأفضل، وتفضيل المصلحة العامّة،

وإمكانيّة التغيير، وفوق كلّ ذلك اعتبار السلطة المحليّة جزءًا لا يتجزّأ، وإن لم يكن الأهمّ، في منظومة السلطات التي تحكم حياة المواطن في الدول الليبراليّة والديمقراطيّة، أي السلطة الرسميّة بكامل مركّباتها ومهامّها وسياساتها والسلطة المحليّة بدورها المحليّ والقريب وعلاقة المواطن الفرد اليوميّة بها.

 

 

وهي ممارسة لم تصل حدّ التوازن المنطقيّ والمطلوب، بل الضروريّ في المجتمع العربيّ، وربما بكلمات أقسى، الحدّ المطلوب، بل الأدنى من الوعي لأهميّة هذا التوازن، وربما اعتبار السلطة المركزيّة، أي البرلمان والحكومة، العامل الأهمّ بين طرفي المعادلة سابقة الذكر، القطريّ والمحليّ. وخير دليل على ذلك الفارق الشاسع وغير المبرّر،

بل غير المنطقيّ بين نسبة تصويت المواطنين العرب في الانتخابات المحليّة، وهي عالية تشكّل رقمًا قياسيًّا عالميًّا غير مسبوق، بلغت هذه المرّة ورغم حالة الحرب الدائرة منذ أكثر من خمسة أشهر في غزة، وما رافقها من قنوط وانكفاء وامتناع عن الحملات الانتخابيّة وتأجيل موعد الانتخابات لمرّتين، أكثر من 90% في بلدين عربيين على الأقلّ هما قريتا عين ماهل وكفر مندا، مقابل التراجع المستمرّ في نسبة التصويت في المجتمع العربيّ للانتخابات البرلمانيّة، والتي تراوح مكانها دون أن تتجاوز 65% في أحسن طفراتها،

رغم تزايد أعداد ووتيرة التشريعات التي تعتمد التضييق على المواطنين العرب سياسيًّا واقتصاديًّا وحقوقيًّا، نهج حياة برلمانيّة، بل تنادي بإقصاء المجتمع العربيّ من مواقع اتّخاذ القرار، ورغم تقاعس الشرطة الواضح، حتى أن البعض يقول إنه مقصود عمدًا، أو من باب غضّ النظر، من قبل شرطة إسرائيل، التي يسميها البعض بمن فيهم إعلاميّون من المجتمع اليهوديّ " شرطة إيتمار بن غفير" ، إزاء تضاعف مظاهر الإجرام والعنف والقتل ، التي بلغت العام المنتهي نحو 250 قتيلًا، دون أن تبشّر الأشهر الأولى من الأمن الحالي بأيّ جديد، أو تجديد. 

 

 


 وإن كانت الفوارق بين نسب التصويت في الانتخابات المحليّة وتلك البرلمانيّة، هامّة ومثيرة لكبرها، تستوجب البحث والتحليل باعتبارها تشكّل حالة غريبة خاصّة، وأن كافّة المعطيات المتوفّرة من انتخابات في الدول الديمقراطيّة في العالم تؤكّد أن الأقليّات هي أحوج إلى نسبة تصويت عالية في انتخابات البرلمان، انطلاقًا من الفهم الصحيح لكون السلطة المركزيّة هي صاحبة الكلمة الأولى في السياسات العامّة والميزانيّات واتّخاذ القرارات الاقتصاديّة والماليّة،

وسنّ القوانين والتشريعات وقضايا التعليم والسكن وفرص العمل والرواتب، وكلّها أمورلا تتحكّم فيها السلطة المحليّة، باستثناء الولايات المتحدة التي يمكن لكلّ ولاية فيها باعتبارها اتّحادًا فيدراليًّا سنّ قوانين تتفاوت وتختلف، إلا أن العرب في إسرائيل يشكّلون حالة خاصّة يميّزها كونهم في المقام الأوّل أقليّة قوميّة ودينيّة ومدنيّة في الوقت ذاته، ولها حيثيّات حياتها الخاصّة ومشاكلها التي لا تعدّ ولا تحصى،

خاصّة على ضوء النزاع المتواصل الإسرائيليّ  الفلسطينيّ، واحتياجاتها اليوميّة كونها تشكّل مزيجًا من كونها "بعيدة عن المركز جغرافيًّا وبعيدًا عن المركز اجتماعيًّا وديمغرافيًّا"، وفق المصطلح المتداول إسرائيليًّا، وبالتالي من المتوقّع، بل الطبيعيّ في مثل هذه الحالة، بل من المفروغ منه ديمقراطيًّا وحضاريًّا، أن تبلغ نسبة التصويت للبرلمان أعلى مستوياتها، وأن تكون الانتخابات المحليّة "تابعة" لها بمعنى أن تكون الأحزاب البرلمانيّة هي صاحبة الحضور والتأثير في الحكم المحليّ أيضًا لتتكامل صورة حضورها محليًّا وقطريًّا، وتحضرني هنا رغم الفرق في الجانب القوميّ، المقارنة مع اليهود في أمريكا،

والذين لا تزيد نسبتهم من بين السكان عن 2%، لكنّهم  عادة يشاركون في التصويت بنسب أكبر من الجاليات الأخرى، فبينما تبلغ  نسبة التصويت بين الجاليات الأخرى هناك نحو 55% على المستوى القوميّ، فإن معدّل تصويت اليهود يبلغ نحو 85%.، وبالتالي فهم يشكّلون 7% من أعضاء الكونغرس و9%من أعضاء مجلس الشيوخ، مقارنة مع المواطنين العرب الذين تقترب نسبتهم من مجمل السكان من 25% لكن تمثيلهم في البرلمان، اليوم هو أقل من 9%، أي نحو 40% من نسبتهم بين السكان، ولم تزد في أحسن حالاتها عن 18%( 15 عضوًا ضمن القائمة المشتركة). وهذا دليل على الفارق الشاسع في الوعي الديمقراطيّ، وفهم طبيعة ومقوّمات وسبل تنفيذ الديمقراطيّة على أرض الواقع وطرق التأثير،

وتوجيه، أو صبّ الجهود في الموقع الذي يعود بالفائدة الكبر، أو صاحب التأثير الأكبر على مجريات الحياة ومقوّماتها، والذي يعبِّر عن القاسم المشترك الأكبر وهو الانتماء المدنيّ والقوميّ، وليس الأصغر، أي العائليّ والحمائليّ والفئويّ والطائفيّ، وكيفيّة زيادة التأثير في البرلمان والسلطة التشريعيّة لضمان حياة أفضل للسلطات المحليّة، وبالتالي ربما من الصحيح، وللأسف القول، إن المقارنة الأقرب والأشدّ إيلامًا يجب أن تكون مع نسبة تصويت الملوّنين فهم الأكثر فقرًا، وأقلّ ثقافة ومع ذلك عزوفًا عن التصويت القطريّ، باستثناء الجالية الهنديّة فحوالي 89% منها أنهوا تعليمهم الثانويّ، ومنهم 65% أتمّوا التعليم بالمعاهد الأكاديميّة، ونحو 40 % منهم حصلوا على الماجستير والدكتوراة، ويعتبر دخلهم الشهريّ الأعلى بالمقارنة مع الأقليّات الأخرى.

 

 

انطلاقًا ممّا سبق، كان من المتوقّع وحتى المفهوم ضمنًا، أن تتقارب نسبة التصويت في الانتخابات المحليّة من نظيرتها البرلمانيّة، لكنّ الصورة التي عرضتها، أو كشفتها الانتخابات المحليّة الأخيرة، والتي فاقت نسبة التصويت فيها 77% مقابل المجتمع اليهوديّ الذي تبلغ نسبة التصويت المحليّة فيه 53% في الانتخابات البرلمانيّة الأخيرة، وهذا بعد نداءات الاستغاثة عبر مكبّرات الصوت في المساجد والمعابد، ومقارنة بالمجتمع اليهوديّ الذي بلغت فيه النسبة العامّة للتصويت المحليّ 49%، مقابل 75% في الانتخابات البرلمانيّة، تؤكّد حقيقة مغايرة مؤلمة، بل ربما مثيرة للقلق مفادها أن المجتمع العربيّ،

والذي يعاني الأمرين جرّاء العنف الذي تقع مسؤوليّة مكافحته على الدولة، أي السلطة المركزيّة، وليست المحليّة، ويعاني الفقر وفق معطيات مؤسّسة التأمين الوطنيّ للعام 2023 والتي أشارت إلى أن المواطنين العرب يشكّلون نحو 40بالمئة من الفقراء، وأن نسبتهم بين من  يعانون انعدام الأمن الغذائيّ تبلغ خمسة أضعاف نسبتهم بين السكان، وكذلك الأمر من حيث مستوى الدخل والمناطق الصناعيّة ومستوى التعليم وغيره، والذي عليه إذا ما أراد تغيير وضعه وتحسينه، التركيز على زيادة التأثير على المستوى القطريّ والعام، يواصل اتباع أنماط تصويت تعمّق من مشاكله،

وتقصيه من مواقع اتّخاذ القرار والتأثير، وأنه يتنازل طوعًا عن إمكانيّات الاندماج في عمليّة تغيير واقعه، وينتظر الفرج من حيث لن يأتي، وليس ذلك فحسب، بل إنه ينأى بنفسه عن الصعيد العامّ، والحياة العامة والمشاركة الديمقراطيّة الحقيقيّة، وتطويعها لخدمة مصالحة العامّة والمشتركة والواسعة، منكفئًا على ذاته، يستخدم الديمقراطيّة  وحقّ الاقتراع لتعزيز توجّهات وانتماءات ضيّقة وعائليّة، لا طائل من ورائها، بمعنى تحويل الممارسة الديمقراطيّة من عامل يجمع ويوَّحد بين أطياف المجتمع المختلفة إلى عكسها تمامًا، تحوّل الانتخابات المحليّة إلى عامل آخر من عوامل تشتيت المجتمع العربيّ، والخطر من ذلك أن  تحريف،

أو حرف الممارسة الديمقراطيّة عن هدفه ومضمونه  وتحويلها إلى ممارسة شخصيّة وشخصانيّة وعائليّة ضيّقة الأفق والآفاق، يجعل من الانتخابات المحليّة في آنٍ واحد معًا، رهينة لخلافات داخليّة وحسابات محليّة غريبة تصبح بفعل ذلك عوامل حاسمة  رهنًا للحسابات المحليّة، كما يجعلها ساحة مفتوحة ليس أمام الأفضل والأجدر والأحسن،  وأصحاب المقومات والثقافة الإداريّة والمؤهّلات الحقيقيّة، أو أولئك الذين يريدون التغيير فعلًا، ويعتبرون الرئاسة المحلّية رسالة وتكليفًا،

وليست زعامة وتشريفًا، أو أمام من ينتمون إلى أطر حزبيّة، أو أيديولوجيّة، بل أمام أبناء العائلات الكبيرة الذين يتكرّر انتخابهم رغم أنهم أثبتوا  مرارًا وتكرارًا فشلهم في ترؤس سلطاتهم، وأغرقوها في دوّامة الديون والعجز الماليّ والفشل الإداريّ، بل الفساد ،ناهيك عن الضرر الخطير والفتّاك بالنسيج الاجتماعيّ الداخليّ لبلداتهم عبر تأجيج مشاعر العداء والفئويّة والعائليّة البغيضة، وكذلك أصحاب رأس المال ومقاولي مشاريع البنى التحتيّة،

وبموازاتهم عصابات الإجرام الكبرى، وهذا ما تؤكّده معطيات رسميّة وحقائق يعرفها القاصي والداني، حول تغلغلها في السلطات المحليّة، حتى وإن كان البعض يحاول، بل يصر  زورًا على نفي ذلك. وهي معطيات تثبت  دخول عالم الإجرام والعصابات إلى هذه الحلبة والتأثير على إدارات العديد من المجالس البلديّة وغيرها، ومعهم أيضًا أصحاب رؤوس الأموال الذين تحرّكهم مصالحهم الخاصّة، التي تزيد من حدّة الفساد السلطويّ، ولعلّ المعطيات حول عدد السلطات المحليّة التي قامت وزارة الداخليّة بحلّها،

أو تعيين مندوبين عنها لمراقبتها في العقود الأخيرة خير دليل، بل أكبر نذير، إضافة إلى لوائح الاتهام المقدّمة بحقّ  العديد من رؤساء السلطات المحليّة وكبار موظّفيها ومقربيها، انتهت إلى سجن بعضهم، وبالتالي سينتهي العرس الديمقراطيّ ونشوة الفائزين عمّا قريب، ليجدوا أنفسهم أمام بركان من المشاكل والصعاب، وأمام اعتماد أكبر وأخطر على السلطات المحليّة العربيّة، دون توفير الدعم اللازم لها  برلمانيًّا، ومن هنا الطريق قصيرة إلى تحويلها إلى هيئات لا تتمكّن من توفير أدنى الخدمات والمقوّمات وتعاني العجز وتتّكل كلّيًا على هبات الدولة،

أو منّة من السلطان، ليتواصل الحديث عن" سياسات عليا ومؤامرات من السلطة المركزيّة"،  دون أيّ محاولة للتغيير . وباختصار فلو كانت الممارسة الديمقراطيّة في الانتخابات المحليّة صحيحة وسليمة، لكانت نسبة المشاركة فيها العالية وشبه المطلقة في المجتمع العربيّ دليل وعي ديمقراطيّ، واندماج في الدولة ومشاركة في صياغة مستقبلها وسياساتها وتحديد وجهة سيرها، لكن نظرة واحدة إلى منطلقات هذه المشاركة وأسبابها الحقيقيّة يؤكّد أننا نستعمل الديمقراطيّة شعارًا فقط، بل وسيلة لتكريس الإقصاء الذاتيّ وتكريس النظم والتصرّفات القبليّة والفئويّة، وتغليب العائليّة والحمائليّة والطائفيّة، أي مصلحة الانتماء الفئويّ، على مصلحة المواطن الفرد ورفاهيته، وبكلمات بسيطة، فإن نسبة المشاركة العالية في الانتخابات المحليّة والمنخفضة لانتخابات البرلمان، تعني أن المجتمع العربيّ ما زال يفضل "المصالح والزعامة العائليّة" على الحقوق المدنيّة والمصلحة الجماعيّة، ويضحّي بحقوق ومستقبل ورفاهية وتعليم الجميع، لتنصيب أفراد وزعماء، وأن المواطن العربيّ يتنازل عن قوت عائلته مقابل منصب رئيس لابن عائلته. 

 


ورغم أن الشيء بالشيء يذكر، ورغم أن البدايات تنبئ أحيانًا بما هو آت، يبقى السؤال هل تشكل الانتخابات المحليّة ونتائجها في المجتمع العربيّ، والتي وإن غيَّرت نتائجها بعض الوجوه ، أي أسفرت عن تغيير واستبدال عدد من الرؤساء وأتت بجدد منهم، إلا أنها لم تغير أيًّا من التوجّهات التي طالما حكمت الانتخابات في المجتمع العربيّ منذ قيام الدولة، وهي الانتماءات العائليّة والعشائريّة إلا من ر حم ربي، خاصّة على ضوء تراجع قوّة الأحزاب العربيّة التي فشل مرشحوها في بلدات معيّنة هذه الانتخابات من حسم المعركة من الجولة الأولى، ليضطرّوا خوض جولة ثانية،  أو خسر بعض ممثّليها الانتخابات والرئاسة، كما في مدينة سخنين مثلًا، هل تنبئ بما هو آت ، خاصّة وأنها الانتخابات الأولى التي يشهدها العالم عام 2024، والذي يمكن تسميته وبامتياز بأنه "عام الانتخابات العالميّ"،

أو أنه عام تجمّعت فيه انتخابات في نحو 70 دولة في كافّة أصقاع الأرض من مشرقها إلى مغربها، باستثناء الشرق الأوسط والدول العربيّة بمعظمها، فهي والانتخابات ضدّان لا يلتقيان، وباستثناء مصر التي خاضت  نهاية عام 2023 انتخابات رئاسيّة كانت نتائجها معروفة مسبقًا، بل منذ سنوات، إذ سيشهد العالم العام الحالي 2024، وفي ظلّ استمرار تقلّباته السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة،  انتخابات رئاسيّة أو برلمانيّة في سلسلة طويلة من الدول، ستكون لنتائجها تداعيات كبيرة ولمدّة وطويلة  على العالم أجمع،

حيث سيتوجّه إلى صناديق الاقتراع أكثر من ملياري شخص في حوالي 50 دولة، حيث جرت في أندونيسيا في الرابع عشر من شباط الماضي، ولكن لا شكّ أن الانتخابات الستين للرئاسة الأميركيّة، التي ستُجرى في  الخامس من تشرين الثاني القادم، هي الأكثر أهميّة، والتي ستكون تكرارًا للانتخابات التي سبقتها عام 2020، وستدور رحاها بين نفس المرشحَيْن، وهما الرئيس السابق دونالد ترامب الجمهوريّ وجو بايدن الديمقراطيّ والرئيس الحاليّ،  سوف تكون الأكثر أهميّة على الإطلاق بالنسبة للاقتصاد العالميّ، وكذلك السياسة العالميّة والشرق أوسطيّة، كما ستجرى أكبر انتخابات حجمًا وتعدادًا هذا العام في الهند في أيار القريب بسكانها الذين يبلغ عددهم اليوم 1.44 مليار نسمة (مليار وأربعمئة وأربعين مليون نسمة).

 

 

وهي انتخابات هامّة للجميع دون استثناء، بعكس ما يعتقد كثيرون، فالهند ووفقًا لكافّة المعطيات هي اليوم الدولة  صاحبة الاقتصاد الأسرع نموًّا في العالم، وفي هذا فإنها  تتنافس مع الصين، ناهيك عن أن نتائج الانتخابات الرئاسية في تايوان  والتي جرت في كانون الثاني، أي قبل نحو شهرين فقط، قد تؤدّي إلى تصعيد في التوترات بين الولايات المتحدة والصين،

إضافة إلى انتخابات في روسيا يمكن التنبؤ بنتائجها منذ اليوم، خاصّة بعد وفاة المعارض البارز الروسيّ، إليكسي نافالني في سجنه منتصف شباط الماضي، وانتخابات في إيران وبريطانيا وجنوب أفريقيا والمكسيك والدول السبع والعشرين الأعضاء في البرلمان الأوروبيّ، وإليها تضاف انتخابات الباكستان وبنغلادش. وكلّها انتخابات ستكون لنتائجها أبعاد على اقتصاد العالم، وكذلك على الحرب في غزة، أو اليوم التالي منها، والوضع الحالي الذي تواجهه التجارة البحريّة في البحر الأحمر ومنطقة "باب المندب"،

خاصّة وأن هذه الدول التي ستشهد انتخابات ، تشكّل أكثر من نصف سكان الكرة الأرضيّة، وبالتالي فإن نتائجها ستكون صاحبة الكلمة الفصل، في قضايا عدم الاستقرار الاقتصاديّ والسياسيّ العالميّة، وكذلك في العلاقات بين الدول الكبرى، أو العظمى اقتصاديًّا خاصّة إذا ما عاد دونالد ترامب إلى سدّة الحكم، ما ينذر بمواجهة اقتصاديّة حامية الوطيس مع الصين، وربما تصعيد مقابل روسيا وإيران، علمًا أن ترامب يصرح اليوم وقبل ثمانية أشهر من الانتخابات، أن أميركا بدت ضعيفة ومُهانة خلال الأعوام الأخيرة، وأن غزو روسيا لأوكرانيا وأحداث السابع من أكتوبر لم تكن لتحدث لو كان هو الرئيس، وأن إيران ما كانت لتواصل دعم حركتي "حماس" و"حزب الله" فهي على حدّ قوله ، كانت على شفا الإفلاس إبّان عهده الرئاسيّ.

 


 هنا لا بدّ من الإشارة إلى أن أهميّة الانتخابات البرلمانيّة والرئاسيّة سابقة الذكر، تزداد وتتعاظم على ضوء ما نشهده من تراجع في قوّة الدول الديمقراطيّة، وتراجع في شعبيّة التوجّهات الليبراليّة والديمقراطيّة في العالم، ونتائج انتخابات الرئاسة الأرجنتينيّة الأخيرة ،والتي أسفرت عن فوز  المرشح اليمينيّ المتزمّت خافيير ميلي بالرئاسة، هي دليل واحد على ذلك، تضاف إليها هزّات أخرى قد تشهدها دول مركزيّة منها بريطانيا التي يشهد حزب المحافظين فيها تراجعًا غير مسبوق في شعبيّته في ظلّ قيادة رئيس الوزراء ريشاي سوناك،  وبالتالي تفوّق حزب العمّال المعارض في بريطانيا بفارق 14 نقطة على حزب المحافظين الحاكم. ومن هنا تتفاوت التوقّعات العالميّة حول نتائج الانتخابات بين من يراها فرصة مواتية للتخفيف من حدّة الأزمات الدوليّة والتوتّرات القائمة، وخلق مناخ اقتصاديّ يزيد من نشاط الأسواق والناتج الاقتصاديّ، ويخفف من وطأة التضخم الماليّ، ويؤدّي إلى اتفاقيّات بين الدول تعني إنهاء الصراعات،

أو منع تفاقمها وبين من يخشى أن تؤدّي إلى مزيد من الصراعات والمواجهات السياسيّة والعسكريّة والاقتصاديّة، وإلى تضخّم مالي واحتكار اقتصاديّ من قبل دولتين، أو أكثر للاقتصاد العالميّ. وعود على بدء، وإلى انتخابات السلطات المحليّة فهي في المجتمع الإسرائيليّ اليهوديّ أكّدت ملامح المستقبل من حيث زيادة قوة وسيطرة الفئات الدينيّة،

والتي استطاعت احتلال مناصب الرئاسة في مدن كانت حكرًا على المعسكر الليبراليّ، إضافة إلى ملامح المرحلة القادمة السياسية القطريّة وخاصّة التحالف لأوّل مرّة في انتخابات بلدية تل ابيب بين حزب "الليكود" وحركة " عوتسماه يهوديت" برئاسة  إيتمار بن غفير، ما جعل البعض يصل حدّ القول بأن هذا التحالف ودعم الليكود لمرشّحي عوتسماه يهوديت عمليًّا، يؤكّد أن مئير كهانا  المتديّن المتطرّف اليمينيّ، مؤسّس حركة "كاخ" وهي الأب الروحي لحزب إيتمار بن غفير الحاليّ، قد تغلّب على زئيف جابوتنسكي العلمانيّ الذي أراد ضمان الحريّة والمساواة للجميع بمن فيهم المواطنين العرب.

 

 

أما في المجتمع العربيّ، فتغيّرت الوجوه ولم تتغيّر التوجّهات، وتحوّل يوم الانتخابات الذي نصفه بأنه عر س للديمقراطيّة إلى عرس للحمائليّة والعائليّة والفئويّة، عرس قصير المدى سيعود المجتمع العربيّ بعده والمواطن العربيّ إلى ما كان قبل هذا العرس، من ضيق اقتصاديّ وقيادات محليّة لن تغيّر من الواقع الأليم شيئًا، فهي إما غير قادرة، أو أنها لا تهتمّ، ولا تريد وهنا الطامّة الكبرى،

وبالتالي كانت الانتخابات حدثًا سبقه التغنّي بالديمقراطيّة دون حقّ، وتخلّله حديث عن خيارات حرّة لم تحدث على أرض الواقع، وشعارات حول الاهتمام بمستقبل الفرد، دون أن يكون لها أدنى رصيد.

 

 

وباختصار ازدان المجتمع العربيّ ليوم واحد فقط، بلباس غير لباسه هو الديمقراطيّة والتصويت، ومارس طقوسًا لا يؤمن بها الا لمصلحة ضيّقة، وإقبالًا عليها إذا كان ذلك لدوافع عائليّة ومحليّة، أما القضايا العامّة فعندها تتراجع نسبة التصويت وتنخفض،  ويختفي الحديث عن مصير واحد، ليتغلّب عليه الحديث عن قوة وحكم العائلة والحمولة، وكأن كلّ عائلة لدينا هي أمّة قائمة بحدّ ذاتها.

 

وهنا يحضرني  قول الحكيم جبران خليل جبران، ويل لأمّة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين، ويل لأمّة تلبس ممّا لا تنسج، وتأكل ممّا لا تزرع وتشرب ممّا لا تعصر ، ويل لأمّة تحسب المستبّد بطلًا، وترى الفاتح المذلّ رحيمًا ، ويل لأمّة سائسها ثعلب، وفيلسوفها مشعوذ، وفنّها فنّ الترقيع والتقليد، ويل لأمّة مقسّمة إلى أجزاء وكلّ جزء يحسب نفسه فيها أمّة،،،ونتائج الانتخابات تؤكّد أنه صدق فينا قول جبران.
 

תגובות

מומלצים