السلام هو البديل الوحيد للقوّة العسكريّة والحروب

أسئلة كثيرة يبدو أ نّ لا حصر لها، تثيرها الحرب الحاليّة في غزة، والتي بلغت اليوم يومها المئة والثاني عشر، مقتربة بخطىً سريعة ومؤلمة، بل دامية، نحو شهرها الرابع، تتقدّمها وتحتلّ الصدارة فيها اليوم، تلك المتعلّقة بسير الحرب وسيرورتها، أو الوسائل والخطط التي يتّبعها الجيش الإسرائيليّ، لتحقيق أهدافه

27.01.2024 מאת: المحامي زكي كمال
السلام هو البديل الوحيد للقوّة العسكريّة والحروب

والتي اختارت القيادة السياسيّة والعسكريّة اختصارها بجملة واحدة هي إبادة حركة "حماس" ، وأسباب دوامها، أو إطالة مدّتها.

والحديث عن كونها سوف تستمّر طيلة العام 2024 ، كما قال رئيس هيئة الأركان هرتسي هليفي، أو ربما حتى العام 2025، كما أعلن رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو قبل أيّام، في تصريح اعتبره كثيرون التأكيد على أن إسرائيل بقيادتها السياسيّة والعسكريّة،

تُعِدُّ مواطنيها وجنودها وجيشها لحرب طويلة يتخلّلها وجود دائم، أو لسنوات طويلة على الأقلّ في قطاع غزة، وربما إعادة احتلاله، وتولي مسؤوليّة إدارته المدنيّة واليوميّة، بمعنى أن إسرائيل وحماس تتجاهلان أمرين أولهما العبرة التاريخيّة الواضحة والأكيدة، والتي تثبت أن الحروب الدينيّة،

أو تلك التي تقف خلفها وتحرّك جيوشها مشاعر الانتقام، عادة ما تُمنى بالفشل، أو أنها على الأقل لا تحقّق أهدافها، ناهيك عن أنها عادة ما تفتقر إلى الشرعيّة والقبول الدوليّ، أو أنها تفقد شرعيّتها وتفهم العالم لها بعد فترة ما، وبعد أن تتضح أسبابها ودوافعها. وهو ما  يبدو أنّه يحدث اليوم على ضوء ازدياد الأنباء التي ترشح عن مشاعر،

أو إدراك في دول عديدة في العالم كانت أميركا أولها وتلتها فرنسا وكندا وبريطانيا، تشكّك في كون نتنياهو يريد للحرب أن تستمر من جهة، ويعمل على عرقلة، أو تأجيل صفقات تقترحها دول مختلفة منها مصر وقطر وغيرها، لإطلاق سراح المخطوفين والأسرى والمفقودين ، وأحيانا قبل الإعلان عن تفاصيلها الأوليّة، متمسّكًا ومعه وزير أمنه يوآف غالانت ، بشعار "هزيمة حماس" دون شرحه، متذرّعين بأن المزيد من الضغط العسكريّ سيؤدّي بقادة "حماس" وفي مقدّمتهم يحيى السنوار،

إلى الخضوع لمطالب إسرائيل حول المفقودين، بينما يؤكّد كثيرون خاصّة أهالي المفقودين والأسرى من العرب واليهود  مواطني إسرائيل على حدّ سواء، أن الساعة الرمليّة بدأت تقترب من النفاد، وأن عدم اطلاق سراحهم يعني الحكم عليهم بالموت، قتلًا أو مرضًا أو غيره، وصولًا إلى اتّهام نتنياهو مباشرة أنه يفضل مصيره السياسيّ، أو نجاته السياسيّة من براثن لجنة التحقيق الرسميّة حول قصورات سبقت الحرب يتحمّل هو مسؤوليّتها بصفته رئيس الوزراء، وعرّاب فكرة نقل 30 مليون دولار شهريًّا من قطر إلى "حماس" واعتبارها بديلًا للسلطة الفلسطينيّة، أو قوّة موازية لها  أو ندًّا، أو لكونه لا يريد انتخابات برلمانيّة تبدو نتائجها واضحة، أو ربما يريد الانتظار حتى عودة صديقه دونالد ترامب إلى البيت الأبيض، أو ربما يريد عامًّا آخر في منصبه، يعينه في مواجهة لوائح الاتهام المقدّمة بحقّه، وربما تأجيلها إلى حين منتظرًا تغييرات في تركيبة قضاة محكمة العدل العليا. هذه الحالة تعيدني إلى ما كتبه الباحث البريطانيّ ريتشارد نيد ليبو في كتابه بعنوان" "لماذا تتحارب الأمم؟ دوافع الحرب في الماضي والمستقبل"، والذي حاول فيه الوقوف على أسباب نشوب الحروب من جهة، واستمرارها لوقت أطول ممّا تستوجبه متطلّباتها الإستراتيجيّة، فيقول أنه ثبت  تاريخيًّا وجود أربعة دوافع  وأسباب تدفع الدول إلى الدخول في حروب مع جاراتها، أو دول بعيدة عنها، وهي الخوف والمصلحة والمكانة والانتقام، مضيفًا استنادًا إلى معطيات وبيّنات حول الحروب التي شهدتها البشريّة خلال ثلاثة قرون ونصف، أن نسبة بسيطة من الحروب لا تتجاوز 20 بالمئة كان سببها الأمن، وأن معظمها أي قرابة 70% كانت دوافعها المكانة والانتقام، إذ نشبت أغلبية الحروب بسبب السعي إلى تحقيق المكانة ( استعادة الهيبة  وفرض السيطرة)،   وبسبب الانتقام، أي محاولة الثأر من دول(أو جماعات مسلّحة في حالتنا اليوم)،  نجحت في الاستيلاء على أراضي الدولة والمسّ بأمن وشعور مواطنيها وحياتهم وسلامتهم، مع ضرورة الإشارة هنا إلى أن الحرب الدفاعيّة، أي تلك التي تشنّها دولة دفاعًا عن النفس، أي لمنع خطر داهم وفوريّ، هي الوحيدة التي تحظى بشرعيّة دوليّة  ويشرعنها القانون الدوليّ.

 


التصريحات الصادرة عن القيادات السياسيّة، وبعدها العسكرية في إسرائيل، والتي تتحدّث عن رفض وقف الحرب حتى لو كان ذلك لإطلاق سراح المفقودين، لأن ذلك يعني فقدان إسرائيل لهيبتها أمام "حماس"،  ويحمل رسالة خطيرة يمكن لحركة "حزب الله" تفسيرها على أنها نوع من الضعف، ومطالبة عائلات المفقودين بعدم إثارة الخواطر، كي لا يصبّ ذلك في مصلحة السنوار، الذي لن تنتهي الحرب إلا بالقضاء عليه والانتقام منه، ومن كلّ من شارك في أحداث السابع من أكتوبر تخطيطًا وتنفيذًا واختطافًا، إضافة إلى رفض أعضاء الحكومة الحاليّة، الحديثة، أي حكومة الحرب وتلك الأصليّة، الحديث عن ما بعد الحرب.

 

وأن على إسرائيل أن تجعل الدول كلّها في الشرق الأوسط تخشاها مرّة أخرى، وأن الثمن الذي سيدفعه الغزيّون سيكون عسيرًا وقوامه خسارة أرضهم وتحويل بعضها إلى منطقة معزولة، أو تهجير أعداد كبيرة منهم طوعًا، أو عنوة إلى أوروبا ومصر وغيرها. وهي خطوة ترفضها كافّة الدول العربيّة والأوروبيّة والولايات المتحدة،  تؤكّد أن الحرب الحاليّة تجمع العوامل الأربعة المسبّبة للحرب والتي ذكرت سابقًا، فهي حرب  يعتقد كثيرون، وبعضهم من الائتلاف الحكوميّ، أن استمرارها ورفض نتنياهو لوقفها حتى لو لهدنة مدّتها أشهر، سببه الخوف من انهيارائتلاف اليمين، خاصّة وأن الوزيرين ايتمار بن غفير وبتسلئيل سموترتيتش أكّدا أنهما سوف يستقيلان من الحكومة فور إعلان وقف الحرب أو هدنة فيها، إضافة إلى خوف نتنياهو وحزبه من تبعات ما بعد الحرب على الساحة السياسيّة الإسرائيليّة الداخليّة، خاصّة وأن كافة الاستطلاعات بما فيها تلك التي تبثها قنوات تلفزيونيّة وإذاعيّة تدين بالولاء المطلق، بل الأعمى ربما لليمين عامّة ونتنياهو خاصّة، تشير إلى أن حظوظ بيني غانتس رئيس المعسكر الرسميّ، في ترؤس الحكومة القادمة هي الأوفر، بل ربما المضمونة، وأن نهاية الحرب اليوم أو قريبًا ستعني لجنة تحقيق رسميّة يريد نتنياهو تفاديها عبر لجنة تحقيق برلمانيّة، أو حكوميّة عديمة الصلاحيّات، أو ربما "تحقيق" بادر إلى الإعلان عنه مراقب الدولة، متنياهو أنغلمان، الذي يدين بالولاء وبالمنصب لنتنياهو.

 

 

وهو المراقب الذي  أفرغ منصب مراقب الدولة من مضمونه وأهمّيته، بعد أن قرّر  أن لا تشمل تقاريره أسماء المسؤولين عن القصورات، وأن لا تتّخذ بحقّهم العقوبات، بل أن تشمل توصيات محايدة فقط، كما أن في الحرب واستمرارها الكثير من المصلحة الشخصيّة  والحزبيّة لنتنياهو وحزبه، وهو يعوِّل على أن استمرارها سيساعده على استعادة التأييد الشعبيّ الذي كان قبلها خاصّة إذا تمكّن بفضل، أو بفعل ما سبق وذكرناه، من إلصاق التهمة بغيره وتحديدًا قادة الجيش والموساد والشاباك.

 

 

وهي محاولات  معظمها أو جلّها ترافق هذه الحرب من يومها الأول، فكم بالحريّ باستمرارها وطول عمرها،  وبالتالي فهي حرب متأثّرةً أو محكومةً بعاملي المكانة، أي استرداد الاعتبار وردّ الاعتبار، وترميم قوّة الردع الإسرائيليّة وسمعة الجيش والمخابرات وغير ذلك، إضافة إلى الانتقام وهو ما يعكسه إصرار إسرائيل على وصف "حماس" بالنازيّين، والحديث عن أنه ليس هناك مواطنين غير متورّطين في الحرب في غزة، وأن هدم المنازل والأحياء والبنى التحتيّة الصحيّة والمدنيّة والتربويّة، هو نتيجة استخدامها كحماية لمقاتلي "حماس"، ولدفع المدنيين إلى رفض، أو عدم السماح لمسلحي "حماس" باستخدامهم دروعًا بشريّة، وبامتناعهم عن فعل ذلك، فإنهم يصبحون جزءًا من الحرب وعليهم تحمل تبعات ذلك، وهي عوامل أربعة ترافق تصرفات هذه الحكومة منذ يومها الأوّل، وذلك في كافّة مناحي عملها، فهي التي أقدم وزراؤها ومنذ تعيينهم على إقالة عدد من أصحاب المناصب المرموقة في وزاراتهم انتقامًا  لانتماءاتهم السياسيّة، ورغم أن تعيينهم كان مهنيًّا بحتًا، وبضمن ذلك  التسبب باستقالة مديرة الشركات الحكوميّة،

وإقالة مديرعام سلطة البريد، وكذلك إقالة سائقين يعملان في مكتب رئيس الحكومة انتقامًا من كونهما، عملا مع رئيس الوزراء السابق نفتالي بينيت، أو ما رشح عن مطالبة عقيلة رئيس الوزراء سارة نتنياهو، بإقالة واحد من أفضل المشاركين في الحملات الإعلاميّة الإسرائيليّة باللغة الإنجليزيّة،

خلال الحرب لمجرد كونه يعارض الانقلاب القضائيّ، وهي الحكومة التي شنت فور تشكيلها حربًا طاحنة وانتقاميّة ضد الجهاز القضائيّ،  وطالبت بفرض القيود والتحديدات على المحكمة العليا،  ومنعها من التدخّل، أو ممارسة الرقابة القضائيّة، وبضمن ذلك منعها من التدخل في القوانين والتشريعات التي تسنّها السلطة التشريعيّة، أو تتّخذها السلطة التنفيذيّة، أي الحكومة وأعضاؤها، حتى لو كانت متّشحة بالفساد الإداريّ والسياسيّ تحت مسمّى "حجّة المعقوليّة"،

وهي التي ارادت تقزيم المستشارين القضائيّين، وتقليم أظفارهم، والسماح للوزراء بتعيين مستشاريهم القانونييّن وفق اعتبارات سياسيّة وليست مهنيّة، بدلًا من تعيين مستشارين  مهنيّين ومستقلين تكون وزارة القضاء مسؤولة عنهم، وهو ما ورّطها في أزمة سياسيّة عميقة داخليّة أسفرت عن ثمانية أشهر من النشاطات الاحتجاجيّة، وإعلان مئات من الطيّارين المتطوّعين عن وقف تطوّعهم، أضيفت إليه تأثيرات اقتصاديّة تجلّت في هروب شركات الهايتك من البلاد،

ووقف الاستثمارات وانخفاض قيمة العملة الإسرائيليّة، وارتفاع سعر الدولار بشكل غير مسبوق ، إضافة إلى مواجهة مع الولايات المتحدة التي طالب رئيسها جو بايدن، الحكومة بعدم تمرير التشريعات دون إجماع سياسيّ تامّ، حتى أنه امتنع بسبب هذا الانقلاب الذي بادرت إليه الحكومة، عن دعوة نتنياهو إلى البيت الأبيض واكتفى باستقباله على هامش لقاءات الجمعيّة العمومية للأمم المتحدة، إلى أن بدأت الحرب ليزور البلاد، دون أن تتوقف الصدامات مع الولايات المتحدة، بكل ما يتعلق بالدولة الفلسطينيّة، كما رشح خلال الأسبوع الحالي، وهي الحكومة التي أعلن اثنان من وزرائها، هما إيتمار بن غفير وزير الأمن القوميّ، ووزير الماليّة بتسلئيل سموتريتش،

سياسات يمكن اعتبارها انتقاميّة بحقّ المجتمع العربيّ، بدءًا من توزيع السلاح على المواطنين اليهود والمستوطنين في الضفة الغربيّة، وتقليل تواجد الشرطة في المجتمع العربيّ، ومحاولة إقامة وتشكيل الحرس الوطنيّ، وتغيير تعليمات إطلاق النار، لتسمح للشرطة بإطلاق النار على المتظاهرين (المقصود العرب طبعًا)، وصولًا إلى قرار وزير الماليّة عدم تحويل الميزانيات للسلطات المحليّة العربيّة، لأسباب في باطنها سياسيّة وفي ظاهرها إجرائيّة.

 

 
  ما سبق يؤكّد أن اعتبار الحرب والإصرار على استمرارها بكلّ ثمن، حتى لو كان على حساب المختطفين والمفقودين والأسرى، وبهدف تلقين "حماس" درسًا ومعها كلّ من تسوّل له نفسه حاليًّا أو مستقبلًا، محاولة "التحرّش" بإسرائيل، ينذر بأشدّ ردّ وأقسى انتقام، خدمة ربما لأهداف تتعدّى العسكريّة، قد يقود إسرائيل إلى الغوص في  وحل  قطاع غزة، خاصّة على ضوء التصريحات اليوم، ومنها ما صدر عن قياديين في الليكود وضباط في الجيش، حول كون الجيش الإسرائيليّ يبتعد تدريجيًّا عن تحقيق أهدافه، التي رسمتها الحكومة، وذلك على ضوء سحب وحدات من الجيش من القطاع وخاصّة قوّات الاحتياط، وعودة مواطنين فلسطينيين إلى شمال القطاع،

ناهيك عن الخسائر البشريّة الكبيرة التي تكبّدها الجيش، والأسبوع الحالي مثال صارخ على ذلك، واليقين المتزايد أن كافّة العمليّات العسكريّة التي نفّذها الجيش لم تفِ بالغرض، خاصّة وأن المخابرات الأميركيّة أكدت وفق تقييمات صدرت عنها، بأن إسرائيل قضت على أقل من ثلث مسلّحي "حماس" وأن الأسلحة التي تملكها الحركة تمكنها من مواصلة القتال لأشهر طويلة أخرى، وأن الحديث عن ترحيل طوعيّ أو قسريّ، بقيت مجرّد حبر على ورق ومثلها مطالبة مصر بتوطين الغزييّن اللاجئين في سيناء، وهي حقيقة تدركها القيادة الإسرائيليّة رغم حديثها عن تواجد عسكريّ دائم ومكثّف في القطاع، وينعكس ذلك في الحديث،

أو البحث عن مخارج وخيارات لما بعد الحرب، تضمن أمن إسرائيل وتحفظ لها مكانتها،  ومنها تسليم غزة بعد الحرب إلى العشائر التي ستؤدّي المهامّ المدنيّة والحياتيّة، وهو  ما تروّج إسرائيل له مؤخرًا، ويحاول مسؤولوها تجنيد الدعم لهذه الفكرة، بل محاولة فرضها في الواقع، رغم توقع فشلها بسبب عدم  وضوح طريقة تنفيذها ، في ظلّ بقاء "حماس" في الساحة حتى لو تحقّق هدف هزمها عسكريًّا، وكذلك في ظلّ التجربة الفاشلة لترتيب مشابه حاولت إسرائيل تطبيقه في الضفة الغربية عبر "روابط القرى" في محاولةٍ لاستنساخ تجربة فاشلة ومحاولة "ممارسة نفس العمل مرتين وتوقّع نتيجة مغايرة"، علمًا أن هناك من يؤكّد أن روابط القرى كانت الأرض الخصبة التي أقيمت عليها "حماس" باعتبارها كانت الجسم الموازي، بل ربما المنافس لحركة " فتح"، التي رفضت اتفاقيّات "كامب ديفيد" والحكم الذاتيّ،

فبادرت إسرائيل إلى إقامة روابط القرى،  بمعنى أن إسرائيل تسعى في قطاع غزة إلى إقامة سلطة مرتبطة بها، وهذا عودة إلى ما قبل اتفاقيات أوسلو، من المؤكّد أنها لن تحظى بدعم الفلسطينيّين،  ودون أن تتعلّم من تجارب سابقة، حاولت فرضها في الثمانينيّات  من القرن الماضي، في جنوب لبنان  كجيش لبنان الجنوبيّ، والضفة الغربيّة. 

 


عمليّة إخلاء أو ترحيل المدنيين من شمال قطاع غزة في الأسابيع الأولى للحرب، وجنوبها في الأسبوعين الأخيرين،  وهدم البنايات والمساكن والبنى التحتيّة، والتي حظيت بشجب دوليّ، حتى أن الرئيس التركيّ رجب طيب أردوغان اعتبرها جريمة حرب، وعمليّة إبادة، تؤكّد أن إسرائيل لم تتعلّم من عبر التاريخ، وتعيد إلى الأذهان  الفارق الكبير بين ما حاولت تركيا القيام به في سوريا عبر عمليّة عسكريّة أطلقت عليها اسم" غصن الزيتون" في كانون الثاني عام 2018 كانت ردًّا على اعتداءات مسلّحة نفّذها مسلّحون من قوات سوريا الديمقراطيّة من مواقعها المحيطة بمدينة عفرين السوريّة، مطالبةً بحكم فيدراليّ لإقليم عفرين،

أكّدت خلالها تركيا أن العمليّة العسكريّة التي تنفّذها بالتعاون مع الجيش السوريّ الحرّ  المعارض لبشار الأسد، لا تهدف إلى المسّ بالأراضي السوريّة، أو العراقيّة، ولا تهدف إلى احتلال منطقة عفرين بشكل دائم، حتى أن الجيش التركي أعلن أن قوّاته ستسمح ضمن إجراءات احترازيّة بعودة أهالي منطقة عفرين الذين تمّ ترحيلهم منها، أو رحلوا منها ، وعددهم يقدر بعشرات آلاف المواطنين، علمًا أن القوات التركيّة قصفت المنطقة جوًّا وبالمدرعات والمدفعيّة، حتى أن أهالي عفرين اتهموها أنها قصفت المستشفيّات في المنطقة، ومنها مستشفى يحمل اسم "الشفاء"، ثم قامت تركيا بعد أشهر من العمليّات العسكريّة،

وتصفية أكبر عدد ممكن من المسلحين من قوات سوريا الديمقراطيّة، بدعم 7 مجالس محليَّة، أساسها القبائل والعشائر، لإدارة شُؤون عفرين وبلداتها، وقدّمت لها الاستشارة والدعم في مجالات الصحّة والتعليم والرياضة والتجارة والصناعة والزراعة، أي المجالات المدنيّة، علمًا أن العملية انتهت ببقاء قوّات الجيش التركيّ، أو وحدات عسكريّة موالية له حتى اليوم في منطقة عفرين، لضمان الأمن والهدوء،

بخلاف الحال في القطاع حيث تحمل الحرب الحاليّة معاني وأبعادًا قوميّة وسياسيّة ودينيّة كبيرة، تنذر بأن ضمان الأمن والهدوء في غزة، مهما كانت الوسائل، لن يضمن الهدوء، بمعنى تأكيد ما قلته أكثر من مرة سابقًا أن العمل العسكريّ ليس الضمان الصحيح، أو الوسيلة لحلّ النزاعات، خاصّة تلك  التي تحمل  أبعادًا دينيّة وقوميّة ، وأن انجرار  الدول في هذه الحالات إلى حروب من أجل ردّ الاعتبار إنما هو الضمان الأكيد لتكرارها واستمرارها، مرّة تلو الأخرى،

فكم بالحري إذا كانت الحرب ، بدايتها أو استمرارها، انتقاميّة، فعندها ستكون النتيجة سفك الدماء المستمرّ والمتبادل  ودون حدود، كما فعل  الأتراك في عفرين، وكما فعل نابليون بونابرت بعد أن احتلّ مدينة يافا في آذار عام 1799، بعد أن تعهد بضمان أمن مواطنيها وحتى من استسلم من المسلّحين فيها ومعظمهم من الألبان، والذين قاوموا الفرنسيين أشدّ مقاومة، وجعلوا مهمّتهم في احتلال المدينة صعبة للغاية، ثم قرّر جنوده الانتقام منهم قبل التوجّه نحو مدينة عكا ومحاولة احتلالها، فأعدموا أكثر من ألفين منهم، في  أفضل تأكيد لعدة أمور منها ان الحروب عامة ومنها تلك التي خاضها نابليون بونابرت بهدف تحويل فرنسا الى امبراطورية كبيرة ،

تتبنى قيم الحرية والمساواة والعدل، انتهت الى قتل ستة ملايين فرنسي  وغيرهم، دون ان تتحقق أهدافه المعلنة حيث مني بالهزيمة وانهى حياته معزولًا في جزيرة  سانت هيلينا التي اقلته اليها سفينة حربية بريطانية لتصبح منفاه حتى نهاية أيامه، وليس ذلك فقط ففرنسا التي أرادها نابليون تتمسك بالقيم التحررية وتحفظ حقوق الإنسان تحولت الى دولة تستعبد الناس، وتعاملهم تماما معاملة العبيد في أمريكا، وتستغل مقدراتهم وثرواتهم الطبيعية حتى اليوم خاصة في افريقيا، إضافة الى ان اعمال وفتوحات نابليون حظيت بدعم عدد كبير من المفكرين ورجال الدين، ما يؤكد ان هؤلاء رغم هالتهم الثقافية والدينية ،

ورغم الاعتقاد السائد بنزاهتهم، يصبحون في كثير من الأحيان ، منفذين لأوامر او مبررين ومشرعنين لسياسات العسكريين والسياسيين، وكذلك اردوغان الذي خاض حربًا طاحنة ضد الأكراد واحتل جزءً من سوريا آملًا بهدوء وامن لمواطنيه، دون ان يتم ذلك، فالأكراد بفصائلهم المسلحة وخاصة حزب العمال الكردي، لم ولن يرضوا بتركيا وكيلًا وحاكمًا، وهجماتهم العسكرية المتتالية والتي تصل إسطنبول وانقرة دليل على ذلك، وهاتان الحالتان  دليل على ان أي حرب او عمل عسكري بدافع الدين او العرق او الانتقام مصيره الفشل ومكوناته ضحايا لا تعد ولا تحصى، والخطير هنا وجود مفكرين ورجال دين واعلام يشرعنون هذه الحروب ويبررون نتائجها ويعتبرونها قدرًا محتومًا بل ربما تضحيات بطولية وثمنًا مبرَّرًا ، كما الحال في الحرب الحالية في غزة بشقيها الفلسطيني اولًا الذي يعتبر كل الخراب والدمار والضحايا في غزة ثمنًا يستحق دفْعُهُ مقابل تحقيق اهداف القيادات ومن منطلقات أصولية ودينية لا تعترف بالغير بل تنكر قدسية حياته وحتى حياة اتباعها ومواطنيها،

وكذلك الطرف الإسرائيلي، مما يستوجب ربما التذكير وفي كل الحالات السابقة،  بالقول الشهير في أدبيات وفولكلوريات رعاة البقر في الولايات المتحدة: "إذا خرجت إلى المنازلة بدافع الانتقام فقط فأنصحك أن تحفر قبرين". وبناء عليه، فإنّ السلام هو البديل للحروب الدامية الدينيّة، أو الانتقاميّة. وهذا ما ثبُت منذ فجر التاريخ.

 

תגובות

מומלצים